تركته زوجته لأنه مشلول...
لم يتوقع الشاب اللبناني "توفيق ضاهر" أن يأتي عليه يوم يكون فيه قعيدا على كرسي متحرك، وهو الرجل الناجح الذي عاش زهرة شبابه يجوب الوطن على قدميه صحيحا معافى.
إلا أن رصاصة غادرة اخترقت جسد ضاهر خلال الحرب الأهلية اللبنانية، أخرجته به من دنيا الأصحاء لعالم الإعاقة حيث أصيب بشلل نصفي.
مصاب ضاهر الذي كان يعمل ميكانيكي سيارات لم يتوقف عند هذه العاهة، بل امتد ليشمل علاقاته بالآخرين، فبدلا من أن يقف الجميع حوله يواسونه ويخففون عنه بلاءه، تركوه وحده يكابد مشقات الحياة، فذاق الأمرين، خصوصا بعدما تخلى عنه أقرب الناس إليه وخاصة زوجته.
فقد غادرت المنزل إلى غير رجعة، ودون أن تلتفت لزوجها المقعد الدامع الذي ليس بيده حيلة ولا لطفلها الباكي الذي لم يتجاوز عمره الثلاثة أشهر.
أمام كل هذا راح ضاهر يفكر ليل نهار كيف سيجابه الحياة؟ وماذا سيفعل من أجل تحصيل لقمة العيش الحلال له ولرضيعه دون الاتكال على الآخرين؟
...فأبدع سفينة تيتانيك موسوعة غينيس
وظل على هذه الحال إلى أن راودته فكرة استغلال موهبته الفنية في تشكيل مجسمات جميلة من قش الكبريت؛ لكي تصبح مصدر رزقه الجديد.
فقد راح يجمع ذلك القش ويصنع منه مئات المجسمات الجميلة، التي تأخذ العقل لروعتها بداية من سفينة تيتانيك التي دخل بها موسوعة غينيس عام 2002، وهي بطول ثلاثة أمتار وارتفاع نحو مترين.
كما تتضمن ستة طوابق بكامل تفاصيلها، وملصقة بمادة الغراء وحدها من دون أي مسمار، مضاءة بألفي لمبة من مختلف الألوان، واستغرق العمل فيها أكثر من ستة آلاف ساعة خلال عام ونصف.
وبعد السفينة صمم العديد من المجسمات في مقدمتها برج إيفل بارتفاع سبعة أمتار ومضاء بأكثر من ستة آلاف لمبة، وغيرها من المجسمات للكثير من الأدوات المنزلية التي تجذب ربات البيوت.
أما عن مشاريعه المستقبلية فيقول ضاهر "لدي الكثير.. وأهمها أنني بصدد تنفيذ مجسم كبير للمسجد الأقصى وكنيسة القيامة بمساحة لا تقل عن ثمانية أمتار مربعة".
توفيق ضاهر لم تثنه إعاقته عن إعالة نفسه فقط بل عن إعالة ابنه عندما كان صغيرا، فكان يؤمن له الحليب والحفاظات والاستحمام، ويهدهده ويغني له كي ينام. ويحمله إلى الطبيب كلما مرض، ويوصله إلى المدرسة كل صباح، حتى أتم دراسته والتحق بسوق العمل.